8‏/9‏/2010

نشأة طنطا


تعد طنطا نموذج مثالى للتحول السريع في نشوء المدن الجديدة
التي تحولت بسرعة من قرية صغيرة مهملة إلى مدينة ضخمة تعد الآن الثالثة في مصر بعد القاهرة والإسكندرية. وفي الحقيقي أن نشوء طنطا كمدينة يرتبط باسمين








 السيد أحمد البدوي مؤسس الطريقة الأحمدية المعروفة الذي توفي ودفن هناك، 









وعلي بك الكبير الذي انشأ وقفه الضخم في القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي الذي أصبح نواة لمدينة طنطا الجديدة.





 





سبيل على بك الكبير بطنطا شارع الجلاء (شارع على بك الكبير)



    






وفيما يتعلق بالسيد البدوي فقد كان قد ولد في فاس سنة 596هـ/1200م في أسرة من أصول هاشمية، حيث بدت عليه في طفولته ملامح الزهد حتى لقب بالزاهد. وقد أقدم أبوه عندما كان في السابعة من عمره على الرحيل إلى مكة، حيث أقاموا فترة في مصر في طريقهم إلى الحجاز. وبعد نزولهم في مكة برزت ميول التصوف عند أحمد الشاب وشد الرحال إلى العراق الذي كان في ذلك الوقت (ق6هـ/13م) من مراكز التصوف في المشرق الإسلامي حيث اشتهر فيه قطبان معروفان من أقطاب التصوف في العالم الإسلامي: أحمد الرفاعي وعبد القادر الكيلاني. وبعد عودته من العراق تابع طريقه إلى مصر، حيث حلّ في طنطا خلال 635هـ/1238م تقريباً، وبقي فيها أن توفي في 675هـ/. 
 وقد اشتهر السيد البدوي في طنطا ومحيطها ثم في مصر ومحيطها باعتباره مؤسسا للطريقة الأحمدية التي تفرغت بعد ذلك إلى عدة طرق ينتسب إلها الملايين الآن.
     وتجمع المصادر على أن طنطا كانت عندما جاءها السيد البدوي قرية صغيرة أو مهملة، بل أن سخا المجاورة كانت آنذاك أكبر مدن الغربية وبها دار الوالي كما يذكر ياقوت الحموي. ومن المثير أن سخا كانت العاصمة منذ العصور القديمة حتى أن بطليموس أفاض في الحديث عنها وعن أهميتها. وفي المقابل كانت طنطا أيضا ذات شأن في التاريخ القديم، حتى أنها أصبحت مركزاً لأسقفية كبيرة مع انتشار المسيحية. ولكن لسبب ما تراجعت طنطا بعد الفتح العربي الإسلامي وأضحت قرية بسيطة عندما حل بها السيد البدوي.
والمهم هنا أن السيد البدوي، التي اشتهرت كراماته آنذاك، أوصى تلميذه عبد العال ببناء زاوية في جوار قبره. وقد تحولت هذه الزاوية فيما بعد إلى نواة للمسجد الأحمدي، بل إلى نواة لمدينة طنطا الجديدة، حيث أن هذه الزاوية بفضل ما ترتب لها من أوقاف أخذت تستقبل الكثير من مريدي السيد البدوي في الموالد التي أصبحت تقام له والتي تحولت إلى أسواق موسمية مهمة لكل المنطقة المجاورة لطنطا.
ومع أنه في عهد الدولة المملوكية، التي تميزت برواج الطرق الصوفية واهتمام السلاطين بها لأسباب سياسية، نجد أن السلطان قايتباي اهتم بنفسه في 901هــ/ بتجديد وتوسيع مقام السيد البدوي إلا أن أهم تطور حصل هناك كان مع الوقف الضخم الذي أنشأه هناك علي بك الكبير خلال 1183-1185?ـ.
وتجدر الإشارة إلى أن علي بك الكبير كان صاحب مشروع طموح للاستقلال بمصر عن الدولة العثمانية، ولذلك يعتقد أنه أراد بهذا الوقف وغيره أن يتقرب من مشايخ الطرق الصوفية الذين كان لهم تأثير كبير في المجتمع المحلي. وهكذا يمكن القول أنه مع هذا الوقف الضخم لعلي بك الكبير تغيّر مظهر طنطا مع النواة العمرانية الجديدة التي بنيت آنذاك والتي قامت عليها مدينة طنطا الجديدة.
فقد تحولت الزاوية الصغيرة التي أقيمت للسيد البدوي إلى جامع ضخم من ثلاث قباب، كما أنه بني في مواجهة الجامع سبيلا كبيرا للماء مع كتاب للأولاد فوقه. وإلى جواره أنشأ علي بك قيسارية كبيرة ما لبثت أن تحولت إلى مركز تجاري محلي. ولأجل تغطية نفقات هذه المنشآت فقد أسس علي بك وقفين كبيرين ضمّا الكثير من الأراضي والوكالات والقيساريات التي كانت تدرّ حوالي مليون نصف فضة للإنفاق على خدمة الجامع والعلماء والمجاورين.
ويكفي هنا أن نذكر أن الوقف قد خصّص من الطعام ما يكفي لـ700 مجاور للجامع الأحمدي الجديد، حيث كان يوزع على كل مجاور ستة أرغفة وفول في الصباح، بينما كانت هذه الوجبة في رمضان تشتمل على الأرز واللحم والحمص. كذلك فقد كان هذا الوقف يصرف 85 ألف نصف فضة ثمن كساوي للعلماء والمجاورين والعميان والأيتام بجامع السيد البدوي.
ولا شك أن هذا الوقف قد ساهم في تشجيع الكثيرين على الزيارة والمجاورة في طنطا، حيث أدى مع مرور الزمن إلى توسع البيوت والمحلات حول النواة التي بناها علي بك، وخاصة بسبب تدفق الكثير من الناس للمشاركة في موالد السيد البدوي التي كانت تتحول إلى مواسم اقتصادية واجتماعية.
وقد عرفت طنطا التطور الثالث المهم في عهد الخديوي إسماعيل، حيث تمت توسعة الجامع الأحمدي وما حوله الذي أصبح له "أوقاف جمة لا تحيطها إلا الدفاتر".

 


وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجامع الأحمدي تحول منذ إنشائه في عهد علي بك الكبير إلى مركز تعليمي للمنطقة بعد أن انتظمت الدراسة فيه وأصبح "شبه الأزهر في تدريس العلوم". وقد وضع للجامع الأحمدي في 1894م نظام للتعليم شبيه بنظام الأزهر في القاهرة، وقد أدى الإقبال عليه إلى فصله عن الجامع في مبنى مستقبل بني في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني 1911-1914.
ولكل هذه الأسباب يمكن القول عن طنطا أنها مدينة السيد البدوي، والمدينة التي تدين للوقف في نشوئها وتطورها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عدد زوار الموقع

المتابعون

المتواجدون الأن

اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *